|
تقرير الأمين العام
الأمة الإسلامية، رؤية جديدة: التضامن
في العمل
إلى
الدورة الاستثنائية الثالثة لمؤتمر القمة الإسلامي
مكة
المكرمة - المملكة العربية السعودية
7-8
ديسمبر 2005
مقدمة
يقف
العالم الإسلامي اليوم على مفترق طرق تاريخي في خضم تغيرات عالمية، وتحديات ذات
انعكاسات هائلة على مستقبله. وينبغي علينا ونحن نخط طريقنا إلى المستقبل أن ننظر
إلى ماضينا بعين ناقدة.
ويمكن
وضع رؤية واضحة لمستقبل التضامن الإسلامي بعد استعراض تجربة منظمة المؤتمر الإسلامي
منذ تأسيسها بإيجابياتها وسلبياتها.
لقد مرت
منظمة المؤتمر الإسلامي منذ عام 1969 إلى اليوم بثلاث مراحل تغطي كل مرحلة منها
قرابة عقدٍ من الزمن، وهي: مرحلة البحث عن الذات وتحقيق الذات، ومرحلة السعي إلى
إحراز موطئ قدم أفضل في شؤون العالم، ومرحلة الأزمة والتشتت.
فأما
المرحلة الأولى، وهي مرحلة البحث عن الذات وتحقيقها، فكانت المرحلة الأولية، إذ
برزت منظمة المؤتمر الإسلامي إلى الوجود في عالم ثنائي القطبية تنتمي غالبية دوله
إلى حركة عدم الانحياز. وكانت قضيتها الأولى التضامن السياسي المتمثل في مشكلة
القدس وفلسطين.
ثم أصبح
التعاون الاقتصادي خلال العقد الأول - من 1970 إلى 1980 – المحرك الأساسي لنشاطات
منظمة المؤتمر الإسلامي. ولقد أكد توسيع مؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي وصياغة خطوط
توجيهية لسياستها أن منظمة المؤتمر الإسلامي تتطور وتتحول إلى منظمة مؤسسات.
وحمل زخم
العقد السابع من القرن الماضي، وهو عقد الطفرة النفطية، منظمة المؤتمر الإسلامي معه
إلى المرحلة الثانية الممتدة من 1980 إلى 1990، إذ شهدت هذه المرحلة بذل جهود
لاستخدام التضامن من أجل التأثير في الشؤون الدولية. وقد آذنت قمة الطائف ومكة عام
1981 بسلوك المنظمة خطّاً جديداً يتمثل في استخدام مُجدٍّ لقدرات العالم الإسلامي.
وخلال هذه المرحلة تم وضع تصورات لأعمال محددة حيث أنشئت ثلاث لجان دائمة. ولكن هذا
الشعور بالسعادة في هذه المرحلة، سرعان ما حجبته الصراعات التي نشبت بين الدول
الأعضاء.
أما
الحقبة الثالثة فامتدت من عام 1990 إلى اليوم، وتميزت بالإحساس بالأزمة والتشتت
أمام التغيرات السياسية والاقتصادية الكبيرة لتي شهدها العالم، وانتهت فيها
الثنائية القطبية، وبرز خطاب "صراع الحضارات" إلى الواجهة، مما نجم عنه بروز ظاهرة
كراهية الإسلام. كما شهد العديد من دول منظمة المؤتمر الإسلامي تحديات سياسية
واقتصادية وظهرت توترات على المستويين الإقليمي والعالمي.
وتتطلب
التحديات العالمية من البلدان النظر في تطبيق إصلاحات سياسية ترمي إلى ضمان سيادة
القانون ومبادئ الديمقراطية. كما تجبر النشاطات الاقتصادية على التركيز على المعرفة
والبحث والتكنولوجيا والابتكار.
ويواجه
عمل منظمة المؤتمر الإسلامي وأداؤها في الوقت الراهن تحديا تفرضه مجموعة كبيرة من
القضايا مقترنة بتغيرات متسارعة في الشؤون العالمية. وتستطيع منظمة المؤتمر
الإسلامي مواجهة هذه التحديات العالمية، وأضحى دورها الذي عليها القيام به الآن
على الساحة الدولية، أضحى أكبر وأهم بفضل الكم الهائل من المهام التي تضطلع به.
وقد طبع
مفهوما التضامن والتعاون نهج منظمة المؤتمر الإسلامي منذ البداية فضمنا لها
الاستمرارية. والمطلوب منها الآن أن تتعزز هذه الاستمرارية استجابة للتحديات التي
يواجهها العالم اليوم بكيفية عامة، والعالم الإسلامي بشكل خاص. ويقتضي هذا الأمر
بالضرورة عزيمة لا تفتر وتعبيرا متواصلا عن التضامن في ظل الظروف الراهنة التي تمر
بها الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي باعتبارها ممثلة لها.
نحن إذن
أمام مرحلة جديدة، ألا وهي مرحلة الرؤية الجديدة والمستقبل الجديد.
ولذلك
جاءت المبادرة التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز،
في وقت سانح مناسب، حيث دعا وهو يخاطب جمعا من الحجاج في بداية هذا العام، إخوانه
قادة الأمة الإسلامية إلى العمل على توحيد الصف ووضع حد لحالة الفرقة والتشتت "التي
تعاني منها الأمة، حتى تواصل أداء رسالتها التاريخية، من خلال عقد اجتماع للقادة
لمناقشة قضايا "الوحدة" و"العمل المشترك". وقد قال مخاطبا قادة الأمة: "إن هذا
النداء نداء لنا لكي نواجه أنفسنا وأن نبحث عما يجمع بيننا لنوحد الصفوف ونقوي
الروابط. إنه نداء من أخ لكم يشاطركم انشغالاتكم وآلامكم وآمالكم والإيمان بالله
تعالى".
وخلال
هذا النداء غير المسبوق، أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله أيضا ضرورة "عقد
اجتماعات لمفكري الأمة وعلمائها تحضيرا لمؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائية القادم،
من أجل بحث الوضع العام للعالم الإسلامي، واستكشاف أفضل الحلول والسبل الكفيلة
بتوحيد الصفوف وتحرير الأمة من حالة العجز والفرقة التي تعيشها".
وفي هذا
الصدد، وجه الملك عبد الله الدعوة إلى كل من رئيس وزراء ماليزيا، بصفته الرئيس
الحالي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وإلي شخصيا، بصفتي أمينا عاما للمنظمة، لدعم هذه
المبادرة. وقد بادرت أنا ورئيس القمة إلى الترحيب بهذا المقترح والتزمنا بتقديم كل
الدعم الممكن لإنجاح القمة الإسلامية الاستثنائية والاجتماع التحضيري للعلماء
والمفكرين.
وقد
استُلهمت الرؤية الجديدة والمقترحات الواردة في التقرير من العمل الذي قام به
المنتدى التحضيري للعلماء والمفكرين المسلمين الذين جاؤوا من دول منظمة المؤتمر
الإسلامي وخارجها، وعُقِد استجابة لدعوة الملك عبد الله، بمكــة المكرمة من 5 إلى 7
شعبان 1426 هجرية (الموافق 9-11 سبتمبر 2005).
وقد أجرى
العلماء مداولات مكثفة طبعها الحماس في ثلاث لجان هي لجنة الشؤون السياسية
والإعلامية، ولجنة الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، ولجنة الفكر الإسلامي والثقافة
والتعليم. وقد أنتج المنتدى تحليلات للتحديات الراهنة التي يواجهها العالم
الإسلامي، ووضع رؤية للعقد القادم، واقترح أعمالا محددة في كل مجال من هذه
المجالات.
وليس من
الغرابة في شيء أن نرى تشابها بين نتائج هذا المنتدى ونتائج لجنة الشخصيات البارزة
التي عينت أعضاءها ماليزيا، استنادا إلى قرار القمة الإسلامية العاشرة التي انعقدت
في بوتراجايا، والتي سيرفع تقريرها منفصلا إلى مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائية
بمكة المكرمة.
ويدل هذا
التشابه في الواقع على أن هناك إجماعا قويا على القضايا والتحديات الراهنة، والرؤية
المستقبلية، وأجندة العمل لتحقيق تلك الرؤية.
ولقد كان
الشعور بالالتزام وجودة العمل الفكري في هذين المنتديين عاليا ومتميزا. ويجب أن
تؤخذ هذه الأعمال بعين الاعتبار في صياغة أجندة للعالم الإسلامي تستشرف المستقبل
وتأخذ بزمام المبادرة، لأنها تمثل نتاجا فكريا من شأنه أن ينير لنا الطريق
باعتبارنا أمة واحدة.
وتلخص
الفقرات التالية الخلاصات النهائية لعمل هذه اللجان التي تمت في شكل جلسات لشحذ
الأفكار:
لجنة
الشؤون السياسية والإعلام
1.
فيما يتعلق بقضايا السياسة والإعلام، استعرض العلماء وضع العالم الإسلامي في العالم
المعاصر، ودار بينهم نقاش مستفيض حول التضامن الإسلامي والعمل الإسلامي المشترك
إضافة إلى إصلاح منظمة المؤتمر الإسلامي وإعادة هيكلتها. كما تداولوا بشأن الحاجة
إلى الحكم الرشيد ومنع نشوب النزاعات وفضها وإحلال السلم بعد فض النزاعات. وناقشوا
أيضا القضية الفلسطينية والإرهاب والحوار بين الحضارات وظاهرة كراهية الإسلام (إسلاموفوبيا)
والحقوق السياسية والإنسانية للجماعات والمجتمعات المسلمة في البلدان غير الأعضاء
في منظمة المؤتمر الإسلامي، إضافة إلى المسائل الإعلامية.
2.
أكد العلماء أثناء استعراضهم لوضع الأمة الإسلامية في العالم المعاصر أن
الأمة جزء لا يتجزأ من عالم اليوم وأن ليس هناك تضارب بين القيم الإسلامية والقيم
الكونية المعاصرة. ورأوا أن رسالة الإسلام، باعتباره دينا جاء للبشرية جمعاء، تعتبر
نموذجا تحتذي به جميع الشعوب من أجل بناء قيم المساواة والعدالة والسلم والإخاء.
إلا أن العلماء، مع تسليمهم بأن الأمة الإسلامية تمر بأزمة طويلة تضاف إليها
التحديات الخارجية والحملات المعادية التي تستهدفها، أوصوا باتخاذ عدد من التدابير
التي يتعين تنفيذها خلال العقد القادم، من خلال إعادة تحديد أولويات الأمة.
3.
وبناء على ذلك، اقترح العلماء ضرورة تعزيز التضامن بين البلدان الأعضاء في منظمة
المؤتمر الإسلامي في ظل احترام سيادة كل منها. وحثوا البلدان الإسلامية على
الاضطلاع بدور أكثر فاعلية على الساحة الدولية، ولاسيما خلال المرحلة الانتقالية
التي يتم فيها تشكيل النظام الدولي الناشئ. ودعا العلماء العالم الإسلامي إلى
المشاركة بفعالية في إصلاح الأمم المتحدة، بما في ذلك توسيع مجلس الأمن الدولي وأن
تمثل الأمة الإسلامية فيه تمثيلا مناسبا. وفي معرض التأكيد على الحق غير القابل
للتصرف لجميع الدول الأعضاء في تطوير قدرات نووية للأغراض السلمية وفقا للشرعية
الدولية، أكد العلماء أيضا أهمية جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار
الشامل. وقد طلب العلماء من منظمة المؤتمر الإسلامي إيجاد السبل والوسائل الكفيلة
بتعزيز الحوار الإسلامي، شددوا أيضا على ضرورة معالجة مختلف النزاعات القائمة بين
المسلمين وحلها.
4.
وأثناء التداول بشأن التضامن الإسلامي والعمل الإسلامي المشترك، جدد العلماء
التأكيد على ضرورات التضامن والعمل المشترك في جميع المجالات، بما في ذلك السياسة
والاقتصاد والدين. ولاحظوا أن التضامن الحق لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تعزيز
المؤسسات والاعتقاد الراسخ بوحدة المصير على أساس القيم المشتركة مثلما هو مبين في
القرآن والسنة.
5.
وإذ لاحظ العلماء أن التطرف والنزعة الطائفية يمكن أن يعيقا تحقيق التضامن الحق،
دعوا إلى تجديد الالتزام السياسي بتحقيق تضامن إسلامي ديناميكي تدريجي. ودعا
العلماء في هذا الصدد أيضا إلى تعزيز قدرات المؤسسات القائمة وتوسيعها، بما في ذلك
تفعيل صندوق التضامن الإسلامي، وتشغيل "صندوق الكوارث" لمواجهة مختلف الكوارث
والآفات الطبيعية، وإنشاء صندوق خاص للقضاء على الفقر في العالم الإسلامي، وإنشاء
"برنامج خاص للتضامن مع أفريقيا" لمعالجة الاحتياجات الخاصة للقارة الأفريقية. كما
أكد العلماء أهمية التضامن مع الجماعات والمجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء
ومع المنظمات غير الحكومية وهيئات المجتمع المدني.
6.
وفي ظل التحديات الجسيمة التي تفرضها العولمة، أكد العلماء أن على المسلمين
أن يوحدوا صفهم وكلمتهم من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي. وحيث أن منظمة المؤتمر
الإسلامي تعتبر المنظمة الوحيدة التي تضم في عضويتها جميع بلدان العالم الإسلامي،
فإن لديها القدرة على الاضطلاع بدور أساسي في بناء مستقبلٍ أكثر إشراقا ورفاهية
للأمة إذا ما أنجزت بعض الإصلاحات. وبناء على ذلك، أوصى العلماء بضرورة أن تعبِّر
القمة الإسلامية الاستثنائية عن التزام سياسي قوي بإعادة تغيير اسم المنظمة ومراجعة
ميثاقها وإعادة هيكلة الأمانة العامة بإنشاء إدارات جديدة من قبيل إدارة التخطيط
الاستراتيجي، والسلم والأمن، للتعامل مع الإنذار المبكر وفض النزاعات. ودعوا إلى
تمكين الأمين العام من السلطات الضرورية، ومده بمزيد من الموارد المالية لتنفيذ
مبادرات جديدة، ولتنفيذ الرؤية والمهمة الجديدتين من أجل زيادة حضور المنظمة وإسماع
صوتها في جميع المحافل الدولية الكبرى. وبينما أكد العلماء ضرورة وجود تنسيق وتكامل
أكبر بين مختلف مؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي والأمانة العامة، اقترحوا فتح مكاتب
جديدة للمنظمة في البلدان الإسلامية الكبرى وفي عواصم عالمية أخرى.
7.
وفي معرض مناقشة مسألة الحكم الرشيد، لاحظ العلماء أن مرجعيته مضمنة في
القرآن والسنة. وأشاروا أيضا إلى أن مقومات الحكم الرشيد الإسلامي تتفق مع قيم
الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والشفافية والمساءلة ونبذ الفساد
واحترام حقوق الإنسان. وفي هذا الصدد، أوصى العلماء بتحسين المشاركة السياسية
وتمكين الشعوب وإنشاء لجنة دائمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة انتهاكات حقوق
الإنسان.
8.
أكد العلماء أهمية الحل السلمي للنزاعات في العالم الإسلامي. وفي هذا الصدد،
شددوا على الدور الأساسي الذي يمكن أن تضطلع به الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر
الإسلامي نظرا لغياب أية مؤسسة فعلية لتدبير النزاعات في العالم الإسلامي. وبينما
حث العلماء البلدان الإسلامية على التعاون فيما بينها على نحو فاعل في منع النزاعات
وحلها وإحلال السلم بعد فض النزاعات، ناشدوا البلدان الإسلامية أن تشارك مشاركة
فعلية في هيئة الأمم المتحدة من أجل خلق نظام أمن جماعي. كما اقترحوا أن تبدأ محكمة
العدل الإسلامية عملها وأن تدعم مجموعات التشاور الإقليمية وشبه الإقليمية لمنع
نشوب النزاعات في العالم الإسلامي. كما أكد العلماء ضرورة استخدام الأمين العام
لمساعيه الحميدة في عملية تدبير النزاعات باستعمال الترويكا كنقطة اتصال مركزية.
وأخيرا، أوصى العلماء بأنه في حال تفكك أي بلد عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، فإنه
لا ينبغي أن يعترف أي بلد من بلدان المنظمة بالوحدات التي تخلفه.
9.
أثناء تداولهم بشأن القضية الفلسطينية، أكد العلماء أهمية إيجاد تسوية شاملة
للمشكلة وفقا للشرعية الدولية والاعتراف بالحق غير القابل للتصرف للشعب الفلسطيني
في تقرير مصيره وفي إنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وبناء على ذلك، حث
العلماء البلدان الإسلامية كافة على الصمود ووحدة الصف وتجنب اتخاذ خطوات انفرادية
لتطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى حين التوصل إلى تسوية شاملة. وأوصى العلماء بضرورة
دعم السلطة الوطنية الفلسطينية في جهودها الرامية إلى التفاوض بشأن حقوق الشعب
الفلسطيني. كما ناشدوا جميع الدول الأعضاء تقديم مساعدات من أجل بناء مؤسسات
الاقتصاد الفلسطيني، وإنشاء جامعة الأقصى، وإعادة فتح مطار غزة ومينائها البحري،
وإنشاء أوقاف إسلامية لحماية المواقع الدينية والثقافية في فلسطين. وكذلك اقترح
العلماء إعادة تفعيل دور منظمة المؤتمر الإسلامي في حل القضية الفلسطينية وتكليف
اللجنة الخماسية لمنظمة المؤتمر الإسلامي مجددا بربط اتصالات مع اللجنة الرباعية
الدولية وباقي الفاعلين.
10.
وبينما شدد العلماء على ضرورة محاربة الإرهاب ومعالجة أسبابه الجوهرية،
لاحظوا غياب التوافق في الرأي حول تعريف المصطلح، وأكدوا ضرورة التمييز بينه وبين
الحق في مقاومة العدوان والاحتلال الأجنبي وفي الدفاع عن النفس. وأعربوا عن رفضهم
لربط الإسلام والمسلمين بالإرهاب، واعتبروا أن الحرب على الإرهاب باستخدام الوسائل
العسكرية وحدها ينجم عنها مزيد من العنف. لذلك حث العلماء دول منظمة المؤتمر
الإسلامي على محاربة الإرهاب من خلال تنسيق الجهود، ودعوا أيضا إلى تفعيل معاهدة
منظمة المؤتمر الإسلامي لمحاربة الإرهاب وإنشاء مركز دولي لمحاربة الإرهاب.
11.
أثناء مناقشتهم لظاهرة كراهية الإسلام المثيرة للقلق، والتي اعتبروها شكلا
من أشكال التفرقة العنصرية والتمييز، لاحظ العلماء بانشغال تفاقم انتشار هذه
الظاهرة ضد المسلمين. ولذلك فقد أكدوا ضرورة مكافحتها واستئصالها كوسيلة لرفع مستوى
التفاهم بين مختلف الثقافات. وفي هذا السياق، أوصى العلماء بضرورة رصد هذه الظاهرة
على مستوى العالم وإصدار تقرير سنوي بشأنها وعقد مؤتمر عالمي للتوعية بهذا الاتجاه
والتصدي له. كما دعوا البلدان الأوروبية إلى سن قوانين ضد كراهية الإسلام واستخدام
القنوات التعليمية والإعلامية من أجل محاربة هذه الظاهرة. بالإضافة إلى ذلك، رحب
العلماء بإنشاء "مرصد منظمة المؤتمر الإسلامي" من قبل الأمانة العامة لرصد ظاهرة
كراهية الإسلام، ودعوا إلى تحسين مستوى التنسيق بين مؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي
وهيئات المجتمع المدني في الغرب للتصدي لهذه الظاهرة.
12.
أثناء مناقشة الحقوق السياسية والإنسانية للجماعات والمجتمعات المسلمة في
البلدان غير الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، سجل العلماء التحديات التي
تواجهها هذه المجتمعات في البلدان التي تقيم فيها، وأكدوا أن لهذه الجماعات
والمجتمعات المسلمة، شأنها شأن غيرها من المجتمعات، حقوقا إنسانية أساسية يجب أن
تصان. ومن أجل حماية حقوق الجماعات والمجتمعات المسلمة وهويتها، أكد العلماء أهمية
التعاون بين منظمة المؤتمر الإسلامي وبين غيرها من المنظمات الدولية من قبيل الأمم
المتحدة والاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا
والاتحاد الأفريقي وغيرها، من أجل معالجة مسألة حقوق وقضايا الجماعات والمجتمعات
المسلمة معالجة شاملة. وأوصى العلماء بإعداد تقرير سنوي لحقوق الإنسان يعنى
بالجماعات والمجتمعات المسلمة مع احترام سيادة الدول في التعامل مع حقوق جماعاتها
ومجتمعاتها المسلمة. كما دعوا إلى تعزيز دور إدارة الجماعات والمجتمعات المسلمة في
الأمانة العامة، ومنح صفة مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي للمنظمات غير الحكومية
المؤهلة التي تمثل الجماعات والمجتمعات المسلمة، وعلاوة على ذلك، يجب تشجيع هذه
المنظمات غير الحكومية على السعي إلى الحصول على وضع استشاري لدى المنظمات الدولية
والإقليمية وشبه الإقليمية وفقا للقوانين المعمول بها في هذه المنظمات.
13.
اعتبر العلماء وسائل الإعلام أداة قوية في العالم المعاصر لإبراز صورة
إيجابية للإسلام وخدمة مصالح الأمة. ولفتوا الانتباه في هذا الصدد إلى هيمنة الغرب
على حقل الإعلام وإلى إساءة استخدام وسائل الإعلام في تقديم صورة خاطئة عن الإسلام
والمسلمين. كما سجلوا نقص المعارف والخبرات في أوساط وسائل الإعلام في العالم
الإسلامي. ولمواجهة هذه التحديات دعا العلماء دول منظمة المؤتمر الإسلامي إلى ضمان
حرية الصحافة والاتفاق على مدونة أخلاق للقنوات الإعلامية وإنشاء محطات تلفزيونية
لبث برامج تتعلق بمختلف المسائل الدينية والسياسية والاجتماعية، وإنتاج برامج
وثائقية وأفلام للتصدي للتضليل الذي يستهدف الإسلام والمسلمين. وكذلك حث العلماء
وسائل الإعلام الإسلامية على الانفتاح على غير المسلمين بمصداقية وتطوير التعاون مع
شبكات الإعلام الصديقة في الغرب.
لجنة
الشؤون الاقتصادية والعلوم والتكنولوجيا
14.
بعد استعراض وضع اقتصادات دول منظمة المؤتمر الإسلامي، حدد العلماء التحديات التي
يتعين التصدي لها في المستقبل القريب. وتلك التحديات في المجال الاقتصادي هي:
العولمة، وتحكم الدولة في الاقتصاد، وغياب قطاع خاص قوي في العديد من البلدان، وعدم
تشجيع وتنفيذ سياسيات التنمية المستدامة، وضعف مستويات الاستثمار، ونقص تمويل
التجارة، وثقل عبء الدين الخارجي وخدمة الدين على الاقتصادات، ومعاناة بعض الدول
الأعضاء من صعوبات حادة في ميزان المدفوعات، والمشاكل المرتبطة بالوصول إلى الأسواق
(الحواجز الجمركية وغير الجمركية المفروضة على التجارة) بين الدول الأعضاء، وغياب
وسائل نقل فعالة وغيرها من نواحي القصور في البنى التحتية، والاحتياجات المتعلقة
ببناء القدرات، وتقييد وصول رجال الأعمال إلى الأسواق، والفشل في استئصال الفقر
والأمراض، والافتقار إلى الحاجيات الأساسية، والبعد عن تحقيق أهداف الألفية في مجال
التنمية، ونقص تنمية الموارد البشرية. وفي مجال العلوم والتكنولوجيا تتضمن التحديات
الأساسية غياب استراتيجيات وطنية لتطوير العلوم والتكنولوجيا، وضعف الموارد المالية
المخصصة للبحث والتطوير، وضعف التعاون بين الجامعة والقطاع الصناعي، والمشاكل
المرتبطة بالموارد البشرية، ونقص البنى التحتية في مجال البحوث.
15.
إلا أن العلماء أكدوا أن دول منظمة المؤتمر الإسلامي التي يبلغ عددها اليوم سبعا
وخمسين دولة، تزخر بإمكانات اقتصادية هائلة في مختلف المجالات، مثل الطاقة والمعادن
والفلاحة والموارد البشرية والتجارة. ورأوا أن هذه الموارد الطبيعية والبشرية يجب
أن تستخدم استخداما كاملا بغية ضمان التنمية المستدامة للدول الأعضاء منفردة
ومجتمعة، مع تعزيز قدرة المجموعة على الدفاع عن مصالحها في الاقتصاد العالمي
والمحافل الدولية. وهكذا فإن هذا المؤتمر ينعقد في الوقت المناسب وسيكون مناسبة
لاتخاذ القرار التاريخي الأكثر إلحاحا من أجل معالجة هذه التحديات وإعداد الأمة
الإسلامية للاضطلاع بدور أكثر أهمية في هذا القرن. وينبغي أن نتذكر أن منظمة
المؤتمر الإسلامي بدأت منذ نشأتها مسيرة التعاون الاقتصادي والتجاري من خلال إعلان
مكة الذي اعتمده مؤتمر القمة الإسلامية الثالث الذي عقد بمكة المكرمة في شهر يناير
1981، وخطة عمل منظمة المؤتمر الإسلامي الرامية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي
والتجاري التي اعتمدها المؤتمر نفسه.
16.
وبعد أن أخذت القمة الإسلامية العاشرة علماً بتأثيرات العولمة على اقتصادات
الدول الأعضاء أوصت بضرورة تسريع عملية اندماجها الاقتصادي وذلك من أجل تفادي
الوقوع في المزيد من التهميش وتسريع وتيرة تنميتها المستدامة. وفي هذا الصدد، شددت
القمة على ضرورة ضمان التنفيذ الفعلي لخطة عمل منظمة المؤتمر الإسلامي لتعزيز
التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء.
ولقد تم
خلال الدورة العاشرة للكومسيك، التي عقدت في إسطنبول من 22 إلى 25 أكتوبر 1994م،
تنقيح واعتماد خطة العمل لعام 1981 وصادقت عليها القمة الإسلامية السابعة التي عقدت
في الدار البيضاء من 13 إلى 15 ديسمبر 1994. والأهداف المتوخاة من الخطة هي
كالتالي:
( أ
) تحقيق الأمن الغذائي والنهوض بالمستوى المعيشي لأبناء البلدان الإسلامية مع
التركيز بكيفية خاصة على القضاء على الفقر والمجاعة وسوء التغذية في العالم
الإسلامي؛
(ب)
تعزيز الإنتاج وتنويعه في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية لاقتصادات الدول
الأعضاء وتنمية المبادلات التجارية داخل المجموعة؛
(ج)
تعزيز التدفقات المالية من خلال تقليص العوائق أمام حركة انتقال رؤوس الأموال
والاستثمارات بين الدول الأعضاء.
(د) تقليص الفجوات الإنمائية داخل مجموعة منظمة المؤتمر الإسلامي من أجل
إقامة تعاون اقتصادي وتجاري أكثر سلاسة وفاعلية بين الدول الأعضاء ذاتها.
(هـ)
تحسين جودة الرأسمال البشري وتقليص الفجوة التكنولوجية بين مجموعة منظمة المؤتمر
الإسلامي والعالم المتقدم وذلك من خلال النهوض بمستوى أنشطة البحث والتطوير.
(و)
تنمية نطاق التعاون الاقتصادي وتوسيعه بين الدول الأعضاء بحيث يتسنى تحقيق اندماج
تدريجي لاقتصادات بلدان منظمة المؤتمر الإسلامي وذلك بغية إنشاء سوق إسلامية مشتركة
أو أية صيغة أخرى من صيغ الاندماج الاقتصادي باعتماد النهج التدرجي وعلى أساس
إقليمي في بادئ الأمر. ومن شأن اعتماد هذا النهج أن يساعد على تخطي الآثار السلبية
الممكنة على بلدان منظمة المؤتمر الإسلامي والناجمة عن سرعة تشكل التكتلات
الاقتصادية العالمية، بل وستدعم تطلعات مجموعة منظمة المؤتمر الإسلامي وآمالها في
الحصول على حصة أكبر من النشاط الاقتصادي العالمي وعلى قسمة أكثر عدلاً في مجال
العمل إزاء بقية بلدان العالم.
وتشرف
اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري ( كومسيك )، برئاسة رئيس الجمهورية
التركية، على تنفيذ خُطة عمل التعاون الاقتصادي والتجاري. وقد نظمت الكومسيك حتى
الآن عشرين (20) مؤتمراً وزارياً سنوياً إضافة إلى العديد من الاجتماعات القطاعية
الأخرى والحلقات الدراسية وورشات العمل واجتماعات على مستوى الخبراء بغية تسريع
وتيرة تنفيذ خُطة العمل. وقد خلصت هذه الاجتماعات جميعها إلى أن الإرادة السياسية
لدى قادة الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي تشكل العنصر الرئيس لإحراز
التقدم في تنفيذ خُطة العمل. لذلك ناشد العلماء بقوة قادة الأُمة الإسلامية اتخاذ
تدابير عاجلة لضمان تنفيذ هذه الخطة في سبيل تعزيز تنمية الدول الأعضاء في المنظمة
فرادى وجماعات ومواجهة التحديات الراهنة على نحو فعال.
17.
ووعياً منهم بالمزايا والصعوبات التي تنطوي عليها العولمة شدد العلماء على أنه بوسع
العالم الإسلامي أن يستفيد من المزايا الاقتصادية للعولمة من خلال التعاون
الاقتصادي الإقليمي الفعال. كما تمّ إقرار خطة عمل أخرى في مجال العلوم
والتكنولوجيا، في مؤتمر القمة الإسلامي الرابع الذي عقد في مدينة الدار البيضاء عام
1984، وتقوم بتنفيذها اللجنة الدائمة للتعاون العلمي والتكنولوجي التي يرأسها رئيس
جمهورية باكستان الإسلامية. وقد ألح العلماء في مناشدتهم قادة الأمة اتخاذ إجراءات
عاجلة لتأمين تطبيق خطتي العمل هاتين، بغية تعزيز تطور الدول الأعضاء في المنظمة
فرادى ومجتمعين، ولمواجهة التحديات الراهنة.
18.
اقترح العلماء، بعد مداولات مكثفة حول كيفية الاستفادة
من مسلسل العولمة، اتخاذ تدابير ملموسة عديدة، تشمل تشجيع إقامة التكتلات
الاقتصادية الإقليمية بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي والتوحيد
القياسي للمنتوجات والعمليات وتطبيق المعايير الدولية وتحسين جودة المنتجات
والخدمات للرفع من قدرتها التنافسية واستخدام وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية
الجديدة والمتطورة وتكنولوجيا المعلومات وإلغاء الحواجز الجمركية وغير الجمركية بين
البلدان الإسلامية وذلك من أجل تيسير عملية الاندماج الاقتصادي قبل ذوبان
الاقتصادات الوطنية في خضم الاقتصادات القوية وتطوير آلية سياسية ووسائل إعلام
فعالة باعتبارها من العناصر الأساسية لتعزيز الطاقة الاستيعابية للبنى الأساسية
الداخلية للاستفادة من العولمة.
19. علاوة على
ذلك، ستسهم التوصيات التالية التي صدرت عن المنتدى التحضيري للعلماء والمفكرين
المسلمين خلال اجتماعهم في مكة المكرمة من 9 إلى 11 سبتمبر 2005م والتي ستعرض للبحث
من قبل القمة الإسلامية الاستثنائية، في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين
الدول الأعضاء.
20.
لاحظ العلماء، بخصوص مسألة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء في منظمة
المؤتمر الإسلامي، أن التجارة الإسلامية البينية لا تتجاوز في الوقت الراهن نسبة
14% من الحجم التجاري الإجمالي للبلدان الإسلامية، وأوصوا بضرورة تسريع وتيرة
الاندماج الاقتصادي بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي من خلال إنشاء
منطقة للتبادل الحر. وأوصى العلماء بقوة بضرورة انضمام جميع الدول الأعضاء في
المنظمة إلى الاتفاقية الإطارية لنظام الأفضلية التجارية بين الدول الأعضاء في
منظمة المؤتمر الإسلامي، وذلك حتى تشارك في المفاوضات التجارية في إطار هذه
الاتفاقية، حيث يشكل ذلك الخطوة الأولى نحو إنشاء منطقة للتبادل الحر بما يفضي في
نهاية المطاف إلى تحقيق الهدف الطويل الأمد المتمثل في إنشاء سوق إسلامية مشتركة.
21. شدد
العلماء على ضرورة إعداد وتنفيذ برامج ملموسة ذات أهداف وغايات في مجال التعاون
الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. وقد رحبوا، في
هذا الصدد، بالاقتراح المتعلق بتحقيق نسبة 20% من مستوى التجارة الإسلامية البينية
بحلول عام 2015.
22.
لتحقيق هذا الهدف يتعين اتخاذ تدابير تشمل، من ضمن أمور أخرى، تعزيز الاستثمارات
فيما بين البلدان الإسلامية وإزاحة الحواجز الجمركية وتسهيل الحصول على التأشيرات
لرجال الأعمال من الدول الأعضاء في المنظمة وتحسين وسائل النقل والمواصلات بين
الدول الأعضاء وتعزيز بناء القدرات وبناء قطاع خاص قوي في البلدان الإسلامية.
23.
أعرب العلماء، في هذا الإطار، عن دعمهم للمبادرات الرامية إلى تفعيل وتنشيط دور
الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة، كما أكدوا على ضرورة دعم مجموعة البنك الإسلامي
للتنمية، وخاصة منها المؤسسة الإسلامية الدولية لتمويل التجارة التي أنشئت
حديثا.
24.
ولتسريع عملية تنشيط التجارة الإسلامية البينية أُوصي كذلك باعتماد التدابير
التالية ولا سيما ما يتعلق منها بتنمية/ وتسهيل التجارة وتشجيع الدول الأعضاء على
تعزيز أنظمة ضمان ائتمان الصادرات والرفع من قدرات المؤسسة الإسلامية لتأمين
الاستثمارات وائتمان الصادرات. كما يقتضي الأمر تطوير عملية التنسيق فيما بين
اللجان الدائمة وكذا بين الأجهزة الفرعية والمؤسسات المتخصصة والمنتمية زيادة
البلدان الإسلامية لاستثماراتها في غيرها من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر
الإسلامي وإنشاء هيئة للزكاة تابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي للتخفيف من معاناة
فقراء المسلمين وإنشاء إتحاد للتجار ورجال الأعمال المسلمين وتسهيل اعطاء تأشيرة
السفر لهم. وفي هذا المجال، يمكن النظر في تسهيلات خاصة بعنوان "تأشيرة مكة
المكرمة" لدخول دول منظمة المؤتمر الإسلامي. وشدد العلماء كذلك على ضرورة تعزيز
المبادرات الوطنية والإقليمية للاستثمار في البلدان الأقل نمواً الأعضاء في منظمة
المؤتمر الإسلامي ومواصلة الجهود في مكافحة الفساد من خلال اتباع الحكم الرشيد
وسيلة لإزاحة العراقيل التي تعيق الاستثمارات.
25.
فيما يتعلق بمسألة التنمية المستدامة والتمويل أبرز العلماء أن العديد من بلدان
منظمة المؤتمر الإسلامي تعاني من عبء المديونية وهي أبعد ما تكون عن تحقيق الأهداف
الإنمائية للألفية، ثم إن اقتصادات العديد من بلدان المنظمة تخضع إلى حد كبير
لسيطرة الدولة، وبالرغم من الجهود العديدة المبذولة فإن تحقيق التحرر الاقتصادي
وإنشاء مناطق للتجارة الحرة مازال هدفا صعب المنال.
26.
لوحظ كذلك أنه لكي يتسنى لبلدان منظمة المؤتمر الإسلامي تحرير اقتصاداتها وتحديثها،
ولاسيما البلدان الأقل نموا من بينها، فإنها بحاجة إلى المزيد من الموارد
الاقتصادية، ويستحسن أن تتخذ شكل قروض وأموال بشروط ميسرة.
27. لمعالجة
هذه التحديات أوصى العلماء بتفويض مجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية اتخاذ
التدابير الضرورية لتحقيق زيادة كبيرة في رأس المال المكتتب فيه والمدفوع للبنك
الإسلامي للتنمية، وإنشاء صندوق بشروط ميسرة ذي موارد كبيرة للتخفيف من وطأة الفقر
في إطار مجموعة البنك الإسلامي للتنمية يتناسب مع الاحتياجات الاقتصادية الهائلة
للبلدان الأقل نموا الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية. وستقدم للقمة لغرض الدراسة
معلومات مفصلة عن مقترح زيادة رأس المال المكتتب فيه والمدفوع للبنك الإسلامي
وإنشاء صندوق في مجموعة البنك الإسلامي لتمويل مشاريع بشروط ميسرة لفائدة الدول
الأعضاء الأقل نموا في المنظمة. كما أن من شأن إنشاء منطقة للتجارة الحرة في الدول
الأعضاء في المنظمة أن يؤدي دوراً هاماً في تعزيز التجارة الإسلامية البينية. كما
أيد العلماء اقتراحاً بإنشاء صندوق دائم للإغاثة تابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي
لمساعدة الدول الأعضاء التي تتعرض للكوارث طبيعية أو المجاعات، وذلك تحقيقاً لمبدأ
التضامن الإسلامي. وأوصوا إلى جانب ذلك بتخفيف و/أو إلغاء ديون الحكومات المستحقة
على حكومات بلدان أخرى من بين البلدان الأقل نموا الأعضاء في منظمة المؤتمر
الإسلامي، والتركيز على تغيير ثقافة الدين في بلدان المنظمة بقدر المستطاع، وضرورة
تخفيف حدة الفقر من خلال جمع الزكاة. وأبرزوا أهمية تبني بلدان منظمة المؤتمر
الإسلامي لموقف موحد في مفاوضاتها الاقتصادية والتجارية الدولية، خاصة تلك التي
تجرى في إطار منظمة التجارة العالمية. كما أشادوا في هذا السياق بمبادرة الأمانة
العامة للمنظمة والبنك الإسلامي للتنمية والمركز الإسلامي لتنمية التجارة الخاصة
بتنظيم منتدى في واغادوغو ببوركينا فاسو في أبريل 2005، حول تنشيط التجارة و
الاستثمار في قطاع القطن في أفريقيا ودعوا إلى تنفيذ توصيات المنتدى تنفيذا فعليا.
28.
أشاد العلماء بمبادرة ماليزيا، التي اتخذتها بصفتها رئيساً لمؤتمر القمة الإسلامي
العاشر، والخاصة ببناء القدرات من أجل تخفيف حدة الفقر في الدول الأقل نمواً
ومنخفضة الدخل.
29.
أبرز العلماء دور السياحة باعتبارها قطاعاً هاماً لإدرار الدخل والحوار بين
الحضارات و الحفاظ على التراث الثقافي الإسلامي. ومن ثم أوصوا بتعزيز التعاون في
مجال السياحة من خلال تعزيز الاستثمار وتسهيل السفر بين الدول الأعضاء في المنظمة.
30.
كما أكد العلماء ضرورة الوقاية من الأمراض والقضاء عليها، وتشجيع الوعي بالقضايا
البيئية التي تعتبر عناصر رئيسة في التنمية المستدامة.
31.
في معرض مناقشة العلماء موضوع العلوم والتكنولوجيا، أكدوا أن هذا المجال ليس عنصراً
حيوياً للمعرفة الإنسانية فحسب، وإنما هو عنصر أساسي من عناصر القدرة التنافسية
للاقتصاد أيضا. وأبرزوا عدم كفاية الاستراتيجيات الوطنية لتطوير العلوم
والتكنولوجيا، وتدني مستويات المبالغ المرصودة للبحث والتطوير، وضعف التعاون بين
المؤسسات الجامعية والقطاع الصناعي، والمشاكل المرتبطة بالموارد البشرية، وقصور
البنيات الأساسية للبحوث.
32.
أوصى العلماء بأن تحدد بلدان منظمة المؤتمر الإسلامي أهدافاً ومؤشرات محددة يتعين
تحقيقها على المديين المتوسط والبعيد. وبناء على ذلك، اقترحوا الأهداف التالية لسنة
2015: (أ) عدد الخبراء والعلماء: 800 لكل مليون؛ (ب) معدل الطلاب ما بين 18 و24 سنة
الذين تتيسر لهم فرصة الالتحاق بالجامعة: 30%؛ (ج)عدد الطلاب لكل أستاذ: 16؛ (د)
حصة البحث والتطوير من الناتج الداخلي الإجمالي: 1.2%. واتفق العلماء على أن تكون
الأهداف والمؤشرات بالنسبة للبلدان الأقل نموا ثلث الأهداف الواردة أعلاه. كما
أكدوا أن توفير بيئة ملائمة ومساعدة للبحث والتطوير أمر حيوي لبلوغ هذه الأهداف.
33.
كما اقترح العلماء استراتيجيات وطنية للعلوم والتكنولوجيا في البلدان الأعضاء،
وإنشاء مراكز للتفوق، وتعزيز التدريب المهني، واستخدام التكنولوجيا الحديثة، من
قبيل التعلم عن بعد، لدعم التعليم، وربط العلماء بالقطاع الصناعي، وإنشاء صندوق
منظمة المؤتمر الإسلامي للبحث والتطوير لدعم مشاريع الدول الأعضاء، على أساس
المشاركة في التكاليف. و أكد العلماء أن الوقت قد حان لكي تخصص البلدان المنتجة
للنفط قسطا من الدخل الناتج عن ارتفاع أسعار البترول لنشاطاتها في البحث والتطوير
بغية دعم تنميتها المستدامة طويلة المدى من خلال توليد مصادر جديدة للثروة والخبرة.
34.
كما أوصى العلماء بتعزيز مؤسسات دول منظمة المؤتمر الإسلامي من أجل مساعدة
المخترعين على تطوير اختراعاتهم وتسجيلها. وأشاروا إلى إمكان تمويل البنك الإسلامي
برامج تدريبية للعلماء في مختلف المجالات في الدول الأعضاء في المنظمة. وبيّن
العلماء الحاجة إلى إنشاء شبكات وطنية وإقليمية لتفادي التقليد ولتشجيع الابتكار،
وبلوغ الغاية المنشودة المتعلقة باستكشاف مواردها الطبيعية واستغلالها. وفي الختام
أوصى العلماء بمراجعة الأهداف التي نصت عليها رؤية ،2020 التي اعتمدتها القمة
الإسلامية العاشرة في ماليزيا بغرض تحويلها إلى مجموعة من الأهداف يرجى تحقيقها
بحلول عام 2015. كما أوصوا بدعم كومستيك من خلال تخصيص موارد إضافية لها.
لجنة
الفكر الإسلامي والثقافة والتعليم
35.
لاحظ العلماء في معرض استعراضهم مواضيع الفكر الإسلامي والثقافة و التعليم، أن
العالم الإسلامي يمر بمرحلة حساسة مما يتطلب تجديد الالتزام بمعالجة مشاكل التطرف
والأمية وتوفير تعليم يتسم بالجودة، والقضاء على الأمراض والتخلف و البطالة،
والنهوض بشؤون الشباب والمرأة، وكذلك التحديات الثقافية الناجمة عن العولمة، والتي
تمس تراث الأمة الإسلامية.
36.
عرض العلماء، الذين اعتمدوا نهجا موحدا في مناقشاتهم، عدداً من التوصيات طويلة
المدى من شأنها، إن نفذت في غضون السنوات العشر المقبلة، أن تنتشل الأمة من هذا
الحال غير المقبول، بغية بناء مجتمعات متقدمة تساعدنا على اللحاق بركب الحداثة.
37.
فيما يتصل بمفهوم الاعتدال والوسطية في الإسلام، اتفق العلماء على أن هذا
المفهوم يقوم على أساس متين في العقيدة الإسلامية ويمثل سمة الأمة الإسلامية "وكذلك
جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" ( البقرة -
143).
38.
أكد العلماء أن الإسلام يوصي بالاعتدال في جميع مناحي الحياة وينادي بالوئام التام
في المجتمع. ونادوا ببذل مزيد من الجهود على جميع المستويات لإبراز الصورة الحقيقية
للإسلام بصفته دين اعتدال و تسامح و تعايش سلمي. و في هذا السياق ذكروا أن الإسلام
يدين التطرف في جميع جوانبه لأن التطرف يتعارض مع القيم الإنسانية. وأكدوا الحاجة
لمعالجة جذور التطرف التي لا يمكن حلها بواسطة الحلول الأمنية فحسب. بالإضافة إلى
ذلك، أكد العلماء أنه يجب عدم الربط بين الإرهاب وأي دين أو ثقافة أو حضارة بعينها.
وأكدوا ضرورة تأسيس خطاب إسلامي معتدل يكون مرتبطا بالزمان والمكان والإنسان
والأحوال، يصاغ بلغة العصر. و يجب أن يميز هذا الخطاب بوضوح بين الأصل والفرع ، وأن
يتسم بالاعتدال والمصداقية و الفعالية والقدرة على التأثير، بغية إبراز الصورة
الحقيقية للإسلام. كما أكدوا ضرورة تطوير المناهج التعليمية الإسلامية بهذا الفهم و
البدء في عملية مراجعة في هذا الصدد.
39.
تداول العلماء باستفاضة حول مسألة تعدد المذاهب. وذكروا أن تعدد المذاهب
يعكس ثراء مصادر الفكر الإسلامي. وفي هذا الصدد، أعربوا عن تأييدهم التام لما ورد
بخصوص هذه القضايا في بيان المؤتمر الإسلامي الدولي الذي عقد في عمان في يوليو
2005م وحضره أكثر من مئة وسبعين عالماً مسلماً.
40.
في معرض التداول حول دور مجمع الفقه الإسلامي في مجال إعادة دراسة التراث
الإسلامي، أكد العلماء أن الفتوى يجب أن تصدر بموضوعية ونزاهة، ويجب أن توكل إلى
علماء من ذوي المعرفة والحكمة الإسلامية العميقتين. وحذروا من الفتاوى غير المسؤولة
التي تصدر من أشخاص غير مؤهلين للتحدّث باسم الإسلام والمسلمين، يفسرون التعاليم
الإسلامية وفق آرائهم الشخصية وأهوائهم، مما يضر بصورة الإسلام داخل العالم
الإسلامي وخارجه. وأبرز العلماء أهمية توثيق التنسيق بين هيئات الإفتاء في العالم
الإسلامي من خلال مجمع الفقه الإسلامي.
41.
عند مناقشة موضوع الرؤية الجديدة لمجمع الفقه الإسلامي، أكد العلماء الحاجة إلى
وجود مرجعية إسلامية دولية موثوقة تقوم على الاجتهاد الجماعي المنظم لبيان الرأي
الشرعي في القضايا والنوازل المستجدة. وفي هذا السياق، طالب العلماء بإصلاح مجمع
الفقه الإسلامي حتى يكون المرجعية الفقهية العليا للأمة الإسلامية. كما نادوا بأن
يتم انتخاب أصحاب المناصب الكبرى من بين أكثر الفقهاء كفاية في العالم الإسلامي
الذين يمكنهم أن يحققوا الأهداف المتوخاة، وتطبيق نظام المجمع ولوائحه بدقة
متناهية. كما أوصوا بإشراك المرأة العالمة في عضوية المجمع وفقا لأهليتها وكفاءتها
الفقهية والعلمية، وأكدوا ضرورة كتابة أطروحات المجمع وفتاويه ونشرها بلغة عصريّة
ميسّرة بما يوسّع دائرة التواصل بين المجمع وجمهور المسلمين. وسعياً لتمكين المجمع
من موارد كافية تعينه على أداء مجموع المهام الموكلة إليه ومنحه استقلالا أوسع في
إطار المنظّمة، نادى العلماء بتأسيس وقف متنامي الموارد خاص بالمجمع.
42.
وفيما يتعلق بموضوع الأمية، أكد العلماء أن الأمية تمثل عقبة أساسية أمام
تنمية المجتمعات المسلمة، وأن مكافحة هذه الآفة يجب أن تكون هدفا استراتيجيا للعالم
الإسلامي. وأكدوا ضرورة القضاء التام على الأمية في كل دول المنظمة خلال السنوات
العشر القادمة، واقترحوا إنشاء "صندوق اقرأ" لدعم جودة التعليم.
43.
وفيما يتصل بمسألة التعليم العالي باعتباره أداة لتقدم الأمة، أكد العلماء أن
التعليم العالي هو الركيزة الأساسية لتقدم الأمة ورقيها وأنه إن لم يول هذا القطاع
الاهتمام اللازم ستظل الأمة تعاني من التخلف في مجالي التعليم والعلوم. وركزوا كذلك
على ضرورة تحسين وإصلاح مؤسسات التعليم العالي ومناهجه. كما أكد العلماء الحاجة إلى
دعم مراكز البحث الأكاديمي لتعزيز تنمية المجتمعات المسلمة.
44.
تداول العلماء أيضا موضوع التبادل الثقافي باعتباره أداة لتعزيز التفاهم
والتناغم والتضامن بين شعوب العالم الإسلامي، مؤكدين أهمية تشجيع التبادل
الثقافي باعتباره وسيلة للتفاهم. ودعوا إلى نشر خصوصيات التنوع الثقافي الإسلامي في
العالم على نطاق واسع. كما دعا العلماء منظمة المؤتمر الإسلامي إلى تركيز جهودها
على تعزيز التعاون الثقافي بين الدول الأعضاء، وشددوا على ضرورة الاهتمام بالترجمة
بين لغات الأمة الإسلامية تحقيقاً للتبادل الثقافي المنشود.
45.
فيما يتصل بالحوار بين الحضارات، أكد العلماء ضرورته باعتباره خطوة هامة نحو تحقيق
السلم والأمن العالميين والتعايش السلمي خصوصا إذا ما أدركنا غياب التفاهم بين
الثقافات والحضارات في الوقت الراهن. وبينما أكد العلماء أن الحوار الناجح يجب أن
يكون بين شركاء متكافئين على أساس الاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل والكرامة،
أوصوا بدور مركزي للمنظمة في حوار الحضارات.
بالإضافة إلى ذلك،
اقترحوا أن يكون الحوار شاملا لجميع الأطراف والقضايا من أجل تبديد كل الرؤى
السلبية بدءا بمراجعة الكتب الدراسية ذات الصلة من قبل جميع الأطراف. كما اقترحوا
تشكيل فريق عمل من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي لمباشرة الحوار.
46. أما عن قضية
حقوق المرأة في العالم الإسلامي ووضع استراتيجية فعالة من أجل إدماج المرأة
في المجتمع فقد أكد العلماء أن الدور البارز للمرأة وحقوقها في المجتمع أمور أقرها
الإسلام بشكل صريح. ولذلك دعا العلماء إلى تعزيز وضع المرأة ومكانتها في مجتمعات
الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. كما دعوا إلى دعم علاقات مباشرة ومستدامة
بين الاتحادات النسائية الإسلامية في الدول الأعضاء، وإلى التعاون مع المنظمات
النسائية الدولية الحالية في البلدان الإسلامية.
47. وعن موضوع
حقوق الطفل في العالم الإسلامي ووضع استراتيجية لحماية حقوقه فقد أكد
العلماء أن الأطفال هم مستقبل الأمة وبُناتها. وبالتالي فقد أكد العلماء ضرورة
إيلاء الأولوية القصوى للأطفال في الأجندات الوطنية للدول الأعضاء، وضرورة القيام
بأعمال ملموسة لمصلحتهم. وفي هذا الصدد، دعوا إلى إيلاء العناية لتوخي الجودة
العالية في تعليمهم وإرشادهم خاصة من أجل صون حقوقهم ومن أجل حمايتهم من العنف
والإساءة والاستغلال. وأكد العلماء أن الإحصائيات الدولية المتوفرة تشير إلى أن شلل
الأطفال ما زال واسع الانتشار في بعض الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي مع
وجود تقارير حديثة تؤكد تفشي هذا الداء في بعض الدول الأعضاء. ولذلك فقد ناشد
العلماء الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي الالتزام القوي بالانضمام إلى
الجهود الدولية الرامية إلى استئصال شلل الأطفال تماما من العالم الإسلامي. كما
أكدوا ضرورة حماية الأطفال من الأمراض الخطيرة الأخرى التي يمكن الوقاية منها.
48. وخلال
مناقشة مسألة معالجة المتطلبات المادية والروحية لشباب العالم الإسلامي أكد
العلماء أنه لما كان الشباب يشكل الأغلبية العظمى في المجتمعات المسلمة فإن مسؤولية
جسيمة تقع على كاهلهم من أجل النهوض بالأمة. وبالتالي فلا بد من إيلاء أولوية كبرى
لتطوير معارفهم ووظائفهم وسلوكهم من خلال مؤسساتهم التعليمية وأجهزة الإعلام. وهذا
ما من شأنه أن يساعدهم على تكريس أنفسهم لخدمة بلدانهم وشعوبهم. كما دعا العلماء
إلى إيلاء العناية العاجلة بالحد من ظاهرة البطالة في العالم الإسلامي وخاصة في
صفوف الشباب.
49. وعن موضوع
حماية الحقوق الثقافية والدينية للجماعات والمجتمعات المسلمة في الدول غير
الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي أبرز العلماء تأثير المشاكل التي تواجهها
هذه الجماعات والمجتمعات المسلمة. وتشمل هذه المشاكل حماية هوية أبنائها الثقافية
ومشاركتهم في بناء أوطانهم مع احترام قوانينها من أجل حمايتهم من جميع أشكال
العنصرية والقمع والإقصاء. كما أكد العلماء ضرورة تعزيز الجهود وتنسيقها لحماية
التراث الثقافي للمسلمين في الدول غير الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.
50. وفي معرض
تحديدهم لتحديات العولمة وآثارها على التراث الثقافي للأمة أقر العلماء أن
العولمة قد أصبحت واقعا يتطلب المعرفة الدقيقة بطبيعتها وآلياتها وأشكالها
وتحدياتها وكذلك بكيفية التعامل مع إيجابياتها وسلبياتها. ولذلك فقد أكد العلماء
ضرورة الاستفادة من الجوانب الإيجابية للعولمة مع الحفاظ على التراث الثقافي للأمة
الإسلامية وهويتها.
51. ولدى
استعراض قضية وضع أولويات وأهداف جديدة للعقد القادم في مجالات الفكر الإسلامي
والتعليم والشؤون الاجتماعية والثقافية، أكد العلماء الضرورة القصوى لتحديد
أولويات ووضع أهداف للمدى المتوسط والبعيد من أجل النهوض بالعالم الإسلامي. وحث
العلماء منظمة المؤتمر الإسلامي على مراجعة استراتيجياتها المختلفة في شتى المجالات
بواقعية أكبر تمكن من تحديد الأولويات ورسم الأهداف، وتأخذ بالحسبان الظروف الزمنية
والمكانية وما يمكن تحقيقه في ظل هذه الظروف في مجالات الفكر الإسلامي والتعليم
والشؤون الاجتماعية والثقافية خلال العقد المقبل.
خلاصة
إن الأمل
المشترك الذي يحدو الشخصيات البارزة والمفكرين والعلماء الذين شاركوا في كل من لجنة
الشخصيات البارزة ومنتدى مكة المكرمة يتجلى في كون العالم الإسلامي يقف على مفترق
طرق تاريخي وحاسم لابدّ معه من رؤية جديدة للعالم الإسلامي، ووضع أجندة مناسبة لها.
كما أن هناك أعمالاً ضروريةً لا بد من القيام بها تستدعي إعادة هيكلة منظمة المؤتمر
الإسلامي لتصبح عاملا من عوامل التغيير وتعزيز مصالح المسلمين على المستوى العالمي.
وقد قام
المنتديان كلاهما بتحديد وتحليل التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي اليوم، وهي
تحديات ذات عواقب سياسية واقتصادية وثقافية تستوجب المعالجة بأفضل الطرق الممكنة من
خلال الفهم المشترك ومن خلال صياغة مسلك مشترك.
وباعتبار
العولمة تشكل أحدى هذه التحديات الكبرى فإنها تتضمن تغيرا هائلا يحمل في طياته
معاني حميدة وأخرى وخيمة يتعين فهمها فهما سليما وكاملا وتسخير فوائدها لصالح
الأمة.
وتبين
أغلب هذه التحديات العالمية أن العالم يشهد تغيرات متسارعة وجارفة، وأن التطورات
الراهنة التي تعيد تشكيل العالم اليوم تجبر المسلمين وبلدانهم على إعادة تحديد
رؤاهم وأعمالهم ووضع أجندة سياسية واقتصادية وثقافية تتطلب من الدول والمجتمعات
الإسلامية العمل الفعال والتحلي بروح المبادرة الإيجابية.
وقد أكد
المشاركون ضرورة تجديد العقليات والأجندات الحالية في المجتمعات الإسلامية ودولها
ومنظماتها الدولية وخاصة منظمة المؤتمر الإسلامي التي هي أكبر منظمة دولية للعالم
الإسلامي.
وقد
أكدوا أن أفكار المسلمين وطاقاتهم ينبغي أن توجه إلى صياغة الأجوبة عوضا عن
الاكتفاء يإعادة طرح الأسئلة.
وما
نحتاجه هو تغيير نابع من العالم الإسلامي وليس تغييرا مفروضا من خارجه. وهذا أمر
يقتضي التحلي بالانفتاح والوعي الفكري والإرادة السياسية والروح القيادية أكثر مما
تجلى خلال ما مر من أزمات.
وإن غياب العمل
الموحد لتحقيق هذا الهدف في الوقت المناسب من شأنه أن يؤدي إلى نتائج غير مقصودة قد
تنجم عنها موجات جديدة من التدمير والاستلاب واليأس والارتباك والتبعية في العالم
الإسلامي.
وما
نحتاجه هو رؤية تستجيب لهذه التحديات وتمكننا من بناء مستقبل مشرق للمسلمين في جميع
أنحاء العالم، تتجلى في رؤيةٍ لعالم إسلامي موحد في القلوب والأفكار والأعمال، وفي
مجموعة شعوبٍ ودولٍ تتسم بالعدالة والتنمية والسلطة المعنوية. وهي رؤية لعالمٍ
إسلامي ذي مكانة دولية فعالة، من خلال منظمة تتصف بالفعالية والكفاءة والقوة.
وفي هذا
المنعطف، قدم العلماء والمفكرون أجندة استشرافية للعمل. وهذه الأجندة تمثل خطوات
كبيرة يجب اتخاذها بغية الابتعاد عن أوجه القصور والتطلع إلى رؤية العالم الإسلامي
الموحد والقوي.
ومن ثم
ركزت جميع هذه المداولات على موضوع إعادة تشكيل المنظمة لتصبح صوت العالم الإسلامي
وأداته. وقد وضعت هذه الرؤية الجديدة بهدف دعوة دول المنظمة إلى إدخال إصلاح جذري
على منظمتها الدولية من خلال أن يعهد لها بمهام جديدة تماما من شأنها خدمة مصالح
الأمة حالاً ومستقبلا.
وعلى ضوء
ما سبق، فإن هناك حاجة إلى تجديد رسالة المنظمة بما يتضمن مراجعة مهامها ونطاق
نشاطاتها وهيكلتها وطرق توظيف العاملين فيها وعلاقاتها الداخلية والخارجية ومستوى
أدائها على نحو يتماشى مع الرؤية والمهمة الجديدتين، كما أن على منظمة المؤتمر
الإسلامي الجديدة القائمة على أساس مبادئ الشفافية والمساءلة والفعالية والمرونة
والمبادرة، أن تبادر إلى التعامل مع المشاكل الملحة التي نواجهها في يومنا وعصرنا.
وسيكون
للمنظمة الجديدة نطاق أوسع وأشمل من النشاطات يشمل الرصد والتنسيق ووضع الخطط
والدفاع، ورفع مستوى الوعي بشأن مواضيع هامة جدا من قبيل درء النزاعات وإدارتها،
وشئون الأقليات، والإغاثة في حالات الكوارث، وتوحيد السياسات، والتنمية الاقتصادية
والتجارية والعلوم والأبحاث والتعليم والقضايا الثقافية وحقوق النساء والأطفال ونبذ
التطرف بجميع أنواعه والتخفيف من حدة التوتر الديني والطائفي والعرقي من خلال
الإرشاد الذي يتولاه العلماء والزعماء.
ولتحقيق
هذه الأهداف فإن إصلاح المنظمة يقتضي تعريف مهامها ووضعها وهيكلها وفقاً للمبادئ
والتطلعات المشتركة للدول الإسلامية ومجتمعاتها.
إن منظمة
دولية تمتلك هذه الصفات، بموظفين أكفاء عُيّنوا لجدارتهم، منظمة ذات موارد مالية
كافية، تستطيع وحدها أن تستجيب لهذه الرؤية وأن تعمل لتسهيل تنفيذ خطة العمل من أجل
مستقبل البلدان الإسلامية.
ولن
يتسنى تأدية هذه الرسالة إلا من خلال منظمة مؤتمر إسلامي جديدة متطورة، ومستلهمة
الوسطية المستنيرة، باعتبارها قاعدة عمل مشترك للبلدان الإسلامية، وتمثل العالم
الإسلامي التمثيل الأفضل في المحافل الدولية.
وفي الختام فإن
الجميع يتطلع إلى أن يرى نهاية لنهج سلبي انعزالي أمام التحديات التي تواجه العالم
الإسلامي اليوم. إننا نريد توحيد أصواتنا وأعمالنا، ولا غنى لنا عن منظمة جديدة لها
مهمة وهيكل جديد لتحقيق هذه الرؤية. وستكون المنظمة الجديدة مفتاحا لتحقيق مستقبل
واعد أكثر إشراقا لمئات الملايين في أنحاء العالم. وسيكون نجاحها تاريخيا ليس
للمسلمين وحدهم بل للبشرية جمعاء.
|